إعادة هيكلة المؤسسات – بيان حول تطوير تكنولوجيا المعلومات

مصدر:

“إعادة هيكلة المؤسسات” -جامعة امستردام الحرة

كريس فيرهوف،

هاري سنيد

ترجمة: سمير ع.

عند تمام الساعة الخامسة صباحًا كان أحد المسافرين موجودًا بشكل مؤقت في أحد المطارات انتظارًا لاستكمال رحلته. وكان هذا المسافر قد عانى من سوء خدمة الطعام على متن الطائرة التي استقلها في بداية رحلته لذلك كان يتوق إلى تناول مشروب من أجل تغيير مذاق فمه. ولم يكن هناك أية مطاعم أو متاجر حوله ما عدا آلة بيع تعمل بالعملات المعدنية، ولكن لسوء الحظ لم تكن معه أية قطع من العملة المحلية، فما الحل؟ حينما اقترب من الآلة لاحظ وجود رقم، فانفرجت أساريره وسحب هاتفه المحمول وأجرى اتصالاً لم يدم طويلاً، وبعد أن أغلق الخط أخرجت الآلة على الفور مشروبًا غازيًا له.

تم خصم ثمن المشروب الغازي من حساب الهاتف وذلك بعد إرسال رسالة نصية قصيرة SMS إلى آلة البيع ما أدى إلى إخراج المشروب. هذا المثال يجسد معنى التغيير الثوري في عالم التجارة: تمت ميكنة آلية التعامل بين العميل والبائع، لا توجد مشكلات بخصوص العملات، ولا توجد حاجة للمتاجر، وصار تخريب آلات البيع أمرًا لا طائل منه نظرًا لعدم وجود أموال في داخلها، وأصبح الأمر واضحًا لإدارة التوريد نظرًا لسهولة الإطلاع على محتوى الآلة في أي وقت.

هذا الدمج الذكي من التقنيات المتاحة منحت فرصة عمل لآلة بيع المشروبات الغازية اللاسلكية والمفعلة كجزء من شبكة عمل. ويوضح هذا المثال أن البنية التحتية القائمة على استخدام التكنولوجيا تحتاج بشكل أساسي إلى تغيير ثوري في آلية العمل حتى تصير شائعة. وذلك انطلاقًا من أننا نعلم بالفعل منذ سنوات عدة أن آلات بيع المشروبات الغازية الخاضعة لشبكات العمل قابلة للتنفيذ تقنيًا: في بداية الثمانينيات كان يمكنك بالفعل الاستفادة من آلات المشروبات الغازية الخاضعة لشبكات العمل عبر شبكة الإنترنت المتاحة في جامعة كارنيجي ميلون؛ حيث إنها تشير إلى الوضع الحالي للآلة بحيث تظهر المنافذ التي تم إفراغها في الآونة الأخيرة ومن ثَمَّ تُعَاد تعبئتها من جديد. هذه معلومة مفيدة لمن يرغب في تناول مشروبًا باردًا. بيد أن تنفيذ هذه الفكرة على نطاق واسع لم يكن قابلاً للتنفيذ؛ وذلك لأن قبل ظهور الاتصال اللاسلكي، لم يكن من المفيد الاتصال بآلة بيع المشروبات الغازية من أجل العملاء العاديين. ومع ذلك، يتيح وجود البنية التحتية المناسبة الفرصة للاتصال الإلكتروني بآلات البيع. وكان هذا هو الحال بالنسبة إلى واقعية القصة المذكورة في المقدمة. حاليًا، يمكنك شراء مكونات جهاز منخفضة التكلفة مصممة لتعمل بتطبيقات خدمية سواء من آلة إلى أخرى أو من آلة إلى عميل مثلما هو الحال مع آلة المشروبات، وهي مجهزة لتعمل تلقائيًا باستخدام المصادقات والتشفيرات الإلكترونية من خوارزميات GSM (مجموعة الهواتف المحمولة الخاصة) وخدمة الرسائل النصية القصيرة SMS المرسلة بين الهواتف المحمولة والخدمة الراديوية العامة للرزم GPRS).

هذا الأمر يشير بوضوح إلى العلاقة الوطيدة بين التقدم التكنولوجي والتغيير الثوري في عالم التجارة حيث ثمة رابط بينهما لا يقتصر فقط على هذا المثال بل في جميع أشكال التجارية المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات.

إعادة هيكلة الأعمال التجارية في سنوات التسعينيات – بداية فاشلة

في كتابه (إعادة هيكلة المؤسسات) – مبادئ توجيهية لثورة تجارية المنشور في عام 1993 – نادى كل من هامر وشامبي بإعادة الهيكلة الجذرية للمؤسسات التجارية؛ حيث ينبغي أن تتحول منظومة العمل التجاري من الهياكل المركزية ذات التسلسل الهرمي إلى وحدات تجارية لامركزية مرتبطة بشبكة وتتعاون مع بعضها البعض. وينبغي أن تُنَظَّم هذه الوحدات على نحو مرتبط بطبيعة العملية التجارية بحيث تستجيب بشكل أسرع وأكثر كفاءة لمتطلبات السوق المتغير. لفهم هذا الأمر أكثر، دعنا نطبقه على مثال آلة بيع المشروبات، كانت التقارير الأخيرة بشأنها غير مشجعة، وقد أثبتت أغلب الدراسات فشل الجهود الرامية إلى إعادة الهيكلة التجارية في هذا الصدد، وقد عادت المؤسسات إلى طريقتها التقليدية في إدارة تجارتها. وقد رجع هذه الفشل إلى سبب واحد رئيسي هو التفاوت بين تكنولوجيا المعلومات المتاحة والمنظومة الجديدة القائمة على اللامركزية. لم تكن التكنولوجيا مهيئة بعد لدعم العمليات التجارية الموجهة إلى العملاء المتفرقين مثلما هو الحال مع آلة بيع المشروبات. لم تكن هناك أي مفاجآت في ذلك؛ لأن معظم المؤسسات في ذلك الوقت كانت لاتزال معتمدة على النظام المركزي كقاعدة لتكنولوجيا المعلومات لديها، وكانت نظم البرمجيات متسلسلة بشكل هرمي ومتجانس. وهناك سبب رئيسي آخر هو الاقتراح المقدم من هامر وشامبي الذي يرى ضرورة التخلص من الماضي وبدء صفحة جديدة، وقد تبلور ذلك في المقولات التالية بهما:

هذا التجاهل المشار إليه يعني تدمير أصول المعرفة القيمة التي كانت تقوم عليها المؤسسة، ومن ثم الابتعاد عن الواقع العملي، لذلك يُفَضَّل الاستفادة من الأجزاء الجيدة وتجنب المساوئ في المستقبل والتعلم منها. وبناء على الرؤية السابقة كان الاهتمام بالظاهر على حساب الجوهر من حيث التطبيق. وقد أفضت تلك الإخفاقات الخاصة بعمليات الإصلاح الجذري القائم على المركزية إلى حقيقة أن النهج التطوري أقرب إلى تحقيق تحسينات أفضل. وقد ورددت هذه النتائج في دراسات أجرتها كبرى الشركات الساعية إلى تحقيق إعادة الهيكلة بأكبر قدر ممكن. وقد اعترف هامر، أحد المبشرين بهذا الاتجاه، بفشل إعادة الهيكلة، وقد عبر عن ذلك قائلاً:

“إن إعادة الهيكلة تواجه مأزقًا، من الصعب عليَّ الاعتراف بذلك لأنني كنت أحد المبشرين بهذا الاتجاه.” وكما أيضاً “إن التخلي عن الماضي واحد من الأسباب الرئيسية للفشل.”

وقد أكد شامبي، المبشر الآخر، على ضرورة وجود سياق تاريخي للتعلم منه في تعديل المسار. وقد استبعد شامبي فكرته الجوهرية حول تدمير الماضي حينما أشار إلى عدم إدراكه لضرورة عدم التخلي عن الماضي حينما بدأ في إعادة الهيكلة قائلاً: “المفارقة هنا أن الماضي قد يبدو نقطة انطلاق إلى أفكار “جديدة.” لذلك فإن فكرة التعلم من الماضي تبدو متناقضة بالنسبة إليه. وفي كتاب المنافسة على الحافة للمؤلفين براون وآيزنهارت، ثمة دفاع عن الاستفادة من الماضي من أجل استكشاف المستقبل وقد حذرا من التخلي عن الماضي قائلين: “يظن بعض المديرين أن أزمة نموذج عملهم هو التمسك بالماضي وأن القفزة الجذرية هي الخيار الوحيد لهم. ويرى البعض الآخر أن التقنيات الجديدة المبهرة قد تلهي عن مزايا الماضي. ولكن بشكل عام هناك انطباع بأن الماضي ملئ بالمشاكل وأن المستقبل يحمل الأمل، إلا أن هذه الرؤية تنطوي على مخاطر كبيرة.”

إن السمة الرئيسية لهذه الشركات هي غياب القفزات الكبيرة وهو ما يعني غياب مقومات التحول وليس النجاح. لذلك فإن تحليلهم للشركات التي تتكيف بنجاح مع البيئة المتغيرة هي التي لا تطبق إعادة الهيكلة. وثمة كتاب أخرين يرون أن إعادة الهيكلة وإدارة الجودة الشاملة والتحسينات المستمرة هي ما تضمن تحسينات قيِّمة بيد أنها تظل إصلاحات وليست تحولات. وقد أشار مؤلفون آخرون متخصصون في استراتيجيات الابتكار إلى وجهة نظرهم قائلين: “بالرغم من الأفكار الناتجة عن برامج إدارة التغيير وإعادة الهيكلة، فإن العمليات ليست مرنة أو قابلة للتدريب بنفس قدر الموارد”.